مسعود فرحات
عدد المساهمات : 9 تاريخ التسجيل : 20/02/2012
| موضوع: الفانتــازيــا ( العجـائبيـة ) الأربعاء فبراير 22, 2012 11:01 pm | |
| الفانتازيا:
باختصار شديد .. الفانتازيا فن أدبي روائي ضخم , و تحت كلمة ضخم نضع خمسين خطا .. كلنا نعرف الفن الواقعي و الرومانسي , حيث منتشران للغاية لدينا , نعرف أن الرواية منذ البداية للنهاية تتحدث عن رزمة من المشاكل بشكل صريح , متباينة بين كمية عرض كل مشكلة عن الأخرى , و بالطبع عن طريقة العرض لكل منها .. فماذا عن الفانتازيا ؟!
الفانتازيا تُعتبر رواية واقعية بصورة رمزية , رمزيتها هنا هو كونها فانتازية , و هذا سبب اللبس الحادث لمن يبدؤون الكتابة تحت هذا النمط .. إذا أردنا النظر إلى الفانتازيا نظرة روائية أدبية بحتة , سنجدها تتكون من مكونات أي رواية عادية , حبكة , صراع , شخصيات , أحداث , قيم و مبادئ نرغب بعرضها , مشاكل نرغب بمعالجتها .. هذا بناء أي رواية .. لكن لكل رواية الطابع الذي يميزها , ففي وجود الطابع الرومانسي كطابع مميز للمشاكل التي يتم معالجتها , و وجود البطل و البطلة كرمزين كبيرين بالرواية دوما , هنا نتحدث عن الرومانسية الروائية , ولو تحدثنا عن وجود مشكلة البطالة و الجنس و تأخر الزواج و القتل و السرقة و السياسة و الاغتصاب و .. إلخ , فنحن نتحدث عن رزمة مشاكل , إذا نحن في رواية واقعية .. من هنا نرى أن ما يميز الواقعية و الرومانسية هي طابع المشاكل التي تحتويه .. لكن ماذا عن الفانتازيا ؟! لو فكرنا في الفانتازيا روائيا , و اخترنا أقل الأنواع منها – وهو الأمر الذي سأتحدث عنه حالا – و هو النوع الخليط بين الواقعية و الفانتازية قالبا , سنجد أننا نتحدث عن كافة عناصر أي رواية عادية , لكن نتوقف عند نقطتين هنا : -المشاكل و القضايا التي تعالجها الرواية .. -القالب العام للرواية .. بالنسبة للأولى , فهي موجودة في كل رواية , لكن وجود مشكلة أو نوعية مشاكل يطغى على الرواية يضفي لها طابع تلك المشكلة , لكن في الفانتازيا نجد شيئا فريدا .. كل أنواع المشاكل تكون فيها .. كيف ؟! فلنتحدث عن الرومانسية , بإمكان كاتب الفانتازيا وضع متحابين في روايته , يعالج قضيتهما عن طريق فانتازاي بحت , هل نسينا حكاياتنا القديمة عن الفقير المغامر الذي يريد تخليص ابنة الملك من لعنتها فيسافر يجوب الأرض محاربا وحوش , مارا بأهوال , مخاطرا بحياته , كي ينتهي الأمر له بإنقاذه للأميرة و يتزوجا و تكون قصة أسطورية .. أليست هذه رومانسية ؟! وما أروعها , لكن أليست فانتازية ؟ نعم , هي فانتازية , لكن تحتوي على الرومانسية عنصرا فيها , رومانسية لو عزلناها عن الرواية لصارت رواية في حد ذاتها .. ماذا عن الواقعية ؟! الواقعية في الفانتازية نجدها في عدة صور , فمثلا الطابع السياسي الموجود داخل الرواية الفانتازية , و الذي سأوضحه لاحقا في مقالات قادمة معنية بشيء هام في الفانتازيا اسمه : بناء العوالم الفانتازية , لكن باختصار نحن نبني عالما جديدا في الفانتازيا ليكون قالبا روائيا , هذا العالم نضع نحن فيه كل كبيرة و صغيرة , و من هذا المنطلق نحن نضع النظام السياسي , يمكننا وضع نظام حكومة رشيدة و أخرى فاسدة كي نوضح الفرق عن طريق التضاد , أو كعادة الفانتازيا الحديثة في الآونة الأخيرة أن نضع الحكومات فاسدة و بعض من الميليشيات المتناثرة هنا و هناك و التي يقوم البطل بتوحيدها موضحين مشاكل التنازع بين الحلفاء الذين يغمضون أعينهم عن الخطر المحدق حولهم , الأمر الذي يشبه واقعنا العربي مثلا , و هكذا .. أما عن المشاكل الاجتماعية , فهي تعتمد على الكاتب , فأنا مثلا كأديب فانتازي لست قوي في الأمور الاجتماعية , لهذا رواياتي ضعيفة تقريبا في هذا الشق , لكن في حالة أدباء آخرين كجي كي رولنج مؤلفة هاري بوتر , نجد أن الرواية برمتها رواية اجتماعية بثوب فانتازي ! هناك نقطة أخرى عن الواقعية , النقطة التي كانت سببا في تسميتي لما أكتبه : خيالية واقعية .. وهي نقطة الواقعية في الأحداث .. من المعهود أن الفانتازيا = خيال في خيال , و هذا يعني عدم وجود واقعية فيها .. هذا خطأ بكل تأكيد .. الواقعية موجودة في الفانتازيا , الفانتازيا لا تعني الخيال الجامح فقط , الجامح في تحديد و تكوين القالب الروائي العام للرواية , لكن ليس المحتوى داخلها , كل شيء داخل الرواية يعتمد على الواقعية في الأحداث و المنطق أحيانا .. و لهذا فوصف الرواية بواقعيتها جاء نتيجة الاعتقاد السائد داخلنا أنها خيالية و يجب أن تعارض الواقع , بعكس ما هو حقيقي على أرض الرواية الفانتازية , و بالتالي فهذا التعبير تعبير عارٍ تماما من الصحة .. حسنا , ماذا عن القالب العام للرواية الفانتازية ؟! هنا مكمن الصعوبة مقارنة بالواقعية و الرومانسية , فلو اعتبرنا جدلا أن كل نوع منهما يعاني من نفس الصعوبة في المعالجة , فسنجد أن كل نوع لا يحتوي على هذه المعضلة الكبرى .. القالب الفانتازي .. ماذا نعني بالقالب الفانتازي ؟! هو الشيء المميز للفانتازيا , هي الفانتازيا ذاتها , فلو قمنا بإبعاد العناصر المشتركة بين الروايات عامة من شخوص و أحداث و حبكة و صراع و قيم و أفكار , سنجد أن ما يتبقى لنا هو ذاك القالب العام للفانتازيا , و سنجد كذلك أنه خيالي تماما .. وهنا موطن صعوبته الأولى .. صناعته ! صناعة القالب الفانتازي يقع دوما تبعا للفانتازيا الحديثة تحت عنوان بناء العوالم الفانتازية , و هو مصطلح وُجد في عالم الفانتازيا بعد مجيء تولكين و ما فعله من ثورة فانتازية بأساطيره أمير الخواتم و ما مثلها من كتاباته العظيمة , و نظرا لظهور مثل هذا المصطلح ظهر مصطلح آخر يشمل كل ما لا يقع تحت عباءة العوالم , و لكل مشتق أسبابه و فوائده , كذلك عيوبه .. الأمر إن تحدثنا عنه ضخم , و لا يمكنني تجميعه في مقال واحد فقط , لكن سأحاول توضيح جزء مهم للغاية .. الكتابة فن نابع من داخل الأديب نفسه , و الرواية هي عمل أدبي شاق , كل أديب يحاول مزج ما بداخله ليخرج لنا بعمله الأدبي الروائي , و هذا ما يعني أن كل عمل روائي يكون عاكسا لمقدرة الأديب الأدبية .. ماذا أريد أن أقول هنا ؟! أريد أن أقول أن عملية بناء العوالم الفانتازية أمر شاق للغاية , و قرار يمكن أن يكون مصيري بشأن الرواية بأسرها , في الوقت نفسه هو يعتمد على الكاتب من حيث مقدرته الأدبية , فمن يفهم خطوة بناء العوالم جيدا سيعرف مدى ضخامتها و عمقها و تشعبها و تعقدها , الأمر الذي يجعلنا نشعر بمدى الصعوبة للتحكم بها عقليا و فكريا , و بالأكثر صعوبة خياليا .. فالكاتب الضعيف خياليا هنا لن يقدر على الكتابة باستخدام طريقة العوالم .. و بالتالي سيستخدم طريقة الكتابة بدون العوالم .. لكن هل هذا منطقي ؟! بناء العوالم عمل إبداعي قوي , يضيف بعدا عميقا و قوة لا يستهان بها للرواية , و ربما هو الدافع الأكبر لدى من يستخدمونها محاولين السير وراء خطوات العظيم تولكين , و لهذا السبب تم إيجاد نوع جديد من الفانتازيا , فانتازيا المزيج ما بين الواقع و بناء العوالم .. أو بناء العوالم المختلطة .. هكذا أسميها .. كي نفهم ما أقوله ولا يكون كالطلاسم أو أشعر أنني انحرفت كثيرا بكم , بناء العوالم مرحلة تعني بناء عالم فانتازي تماما لا يمت للواقع بصلة تدور فيه أحداث الرواية , كمثال جدي على هذا ثلاثية تولكين لأمير الخواتم , و من قرأ روايتي رانمارو مثلا , حيث نجد أن هناك عالم تدور فيه أحداث الرواية , و هذا العالم لا يمت لواقعنا بصلة , ربما يكون أرضا في عالم جديد , في كوكب مختلف , المهم أنه لا يتم ذكر كوكب الأرض .. ولا العالم الواقعي .. وهنا تكمن الصعوبة الكبرى في صنع عالم متكامل تقريبا دون وجود شيء يُسمى التضارب الداخلي , وهو أكبر مشكلة يواجهها صانع العوالم الفانتازية نظرا لضخامة ما يقوم به .. بالطبع أمر كهذا صعب لمن لا يقدرون على الخيال الجامح , أو العقلية التي تتسع لأمور كثيرة و متشابكة و متعددة , أو أصحاب الصبر الطويل و البال الهادئ معظم الوقت , لهذا نجد مخرجا أوجده كتاب الفانتازيا الذين يعرفون بعجزهم جزاء هذا الأمر .. و أكبر مثال على هؤلاء .. جي كي رولنج , الشهيرة بسلسلتها هاري بوتر .. من يقرأ هاري بوتر سيعرف أنه يقرأ لعالم واقعي داخله عالم من السحر , و هذا ما يعني عالمان , لكن السحري منهما مبني على الواقعي في كل شيء تقريبا , فقط مجرد أمور بسيطة لتوضيح الخلافات بينهما و توضيح طرق الحياة فقط .. لكن بصفة عامة العالم السحري مبني على الواقعي .. ومن هنا جاءت فكرة العوالم المختلطة .. | |
|