تتنوع فنون الأدب العربي ولكل فن من هذه الفنون تنوع جاء من ضروريات الحياة وطرائق المعايشة وأنواع التعامل التي فرضت نفسها بنفسها على المجتمع .
ومنها : شعر الصعاليك العرب، الذين أضافوا الكثير الجيد والرائع من شعرهم ، الغزير والمتنوع، ولم يكتفوا بذلك إنما أوجدوا شعرا يمت إليهم ويدل عليهم ، فكما خرجوا عن تقاليد مجتمعهم السائدة، خرجوا بشعرهم عن تقاليد الشعر الموجودة من وقوف على الطلل والبكاء عليه وتذكر الأحباب وما إلى ذلك من هذه الأمور.
تعريف الصعلكة:
الصعلكة – لغة – هي الفقر الذي يجرد الإنسان من ماله،والصعلوك : لغة: الفقير الذي لا مال له يستعين به على أعباء الحياة ولا اعتماد له على شيء أو أحد يتكىء عليه ليشق طريه في الحياة،ويسلك سبيله كما يسلكه الناس الآخرون أما الصعلوك في الاصطلاح الأدبي :فهو الفقير المتمرد على فقره الساعي إلى إثبات وجوده وتحقيق ذاته وانتزاع قوته ولقمة عيشه بالقوة.
فئات الصعاليك:
إن الناظر في أخبار الصعاليك المتتبع لظروف نشأتهم وحياتهم يستطيع ملاحظة بوضوح ثلاث طوائف مختلفة تتألف منها عصاباتهم.
1- طائفة (( الخلعاء الشذاذ)): الذين أنكرتهم قبائلهم وتبرأت منهم وطردتهم من حماها،وقطعت ما بينها وبينهم من صلة.
2- طائفة ( الأغربة السود): الذين سرى إليهم السواد من أمهاتهم الحبشيات، فلم يعترف بهم آباؤهم العرب ولم ينسبوهم إليهم، لأن دماءهم ليست عربية خالصة ، ومن هؤلاء تأبط شرا والشنفرى والسليك بن السلكة.
3- طائفة الفقراء المتمردين: الذين تصعلكوا نتيجة للظروف الاقتصادية المختلة التي كانت تسود المجتمع الجاهلي، وقد احترف هؤلاء الصعلكة احترافا، ويمثلهم : عروة بن الورد ومن كان يلتف حوله من فقراء العرب، وكذلك تلك المجموعة الكبيرة من شعراء هُذيل.
سمات شعر الصعاليك:يتبين لنا من الحديث عن قصيدتي تأبط شرا والشنفرى ، الموضوعات الرئيسية لشعر الصعاليك،ويمكن إجمالها فيما يلي:
1- وصف مغامرات الصعاليك وغزواتهم.
2- الحديث عن الرفاق كما في حديث الشنفرى عن تأبط شرا.
3- التغني بالأخلاق الحميدة سيما الكرم والشجاعة.
4- تصوير آرائهم في الحياة وموقفهم من المجتمع.
ويتميز شعر الصعاليك بمجموعة من الخصائص الفنية ، منها:أ- التخلص من المقدمات الطللية: واستعاضوا عنها بمقدمات الفروسية ،وكأنهم بذلك يرفضون التقاليد الفنية للشعر الجاهلي كما رفضوا التقاليد الاجتماعية.
ب- ظاهرة المقطوعات: فقد ذاعت في شعرهم أكثر من القصيدة، ولعل ذلك يعود لطبيعة حياة الصعاليك،تلك الحياة القلقة السريعة المتوثبة التي لم تتح لهم التفرغ لتطويل القصائد وتجويدها.
ج- الوحدة الموضوعية.
د- القصصية : فشعر الصعاليك في مجموعه ينحو منحى الحكاية والقص،إذ حكى فيه الشعراء ما كان يدور في حياتهم من مغامرات وفرار وتشرد وتربص بأسلوب قصصي حافل بالإثارة والتشويق وتسلسل الأحداث.
هـ- الواقعية: ومن مظاهر الواقعية اتخاذهم الحياة بما فيها من خير وشر مادة لشعرهم وصدق النقل عن الحياة ومطابقة الصورة للأصل والصراحة في التصوير والدقة في التعبير.
و- كثرة الألفاظ الغريبة في شعرهم على نحو يسترعي النظر.
أبرز شعراء الصعاليك:
الشنفرى:
اسم الشنفرى ونسبه الأولى غامضة كل الغموض ، فكل ما يعرف عنه أنه الشنفرى، وأنه كان من عشيرة الإواس بن الحجر الأردية اليمنية، وأن أمه كانت سبية. وهو احد أولئك الأغربة الذين كانوا يمدون حركة الصعاليك بجماعات كبيرة منهم. ويدل اسمه ومعناه: الغليظ الشفتين أن دماء حبشية كانت تجري فيه من قبل أمه.
ولم ينشأ الشنفرى في قبيلته الأزد، وإنما تحول عنها إلى قبيلة فهم ونشأ فيها . وقد اختلف الرواة في تعليل ذلك ، وربما كان من أقرب ما يروونه من ذلك أن قبيلته قتلت أباه فتحولت أمه عنها إلى بني فهم ، ومما يرجح ذلك أننا نجده يمتلئ حقدا على بني لامان الأزديين فيخصهم بغزواته ويهب حياته للإغارة عليهم والفتك بهم معلنا أنه سيقتص لنفسه منهم.
وللشنفرى ديوان شعر صغير، وقد طبع ، ومما اشتر له من شعره ( لامية العرب) وهي تصور تصويرا حيا حياة الصعلوك الجاهلي وهمومه وروحه ومطلعها:
أقيموا بني أمـــي صدور مطيـكم فإني إلى قــــوم ســـواكم لأميــل.
وهي قصيدة رائعة جدا ينصح بقراءتها .
هكذا كان الصعاليك وهكذا كان شعرهم الذي أثرى اللغة الرعبية بأنواع من البلاغات اللفظية والكلام الجيد الرائع. وهو شعر يستحق الدراسة والتمحيص والتبويب والترتيب.
لأنه يخبرنا عن فترة كانت من ارهصات التقدم إلى شعر أكثر روعة وتبويب وتكلم عن مواضيع حياتية ومعاناة مجتمعية.
النتائج:
- لشعر الصعاليك خصائصه الفنية التي تميز بها.
- الصعاليك ليسوا قطاع طرق إنما أناس تمردوا وثاروا على الظلم الاجتماعي الذي يأتي من القوي والغني على الضعيف والفقير، فهبوا لمساعدة الفقراء بأخذ مال الأغنياء بمقدار العيش الطبيعي.
- للصعاليك أخلاق عالية وصفات حسنة خاصة : عروة بن الورد الشاعر العظيم الجليل منقذ الضعيف ومساعد الفقير.
المصادر- د.يوسف خليف ، الشعراء والصعاليك في العصر الجاهلي دار المعارف بمصر ط2 1966 .
-د.شوقي أبو ضيف/العصر الجاهلي دار المعارف بمصر ط4 1996 .
- أبو الفرج الأصفهاني ، الأغاني، دار العلم للملايين بيروت ط 5 1996 .
الثلاثاء فبراير 21, 2012 7:01 pm
