تَزْكِيَةَ النُّفُوسِ مُسَلَّمٌ إِلَى الرُّسُلِ. وَإِنَّمَا بَعَثَهُمُ اللَّهُ لِهَذِهِ التَّزْكِيَةِ وَوَلَّاهُمْ إِيَّاهَا. وَجَعَلَهَا عَلَى أَيْدِيهِمْ دَعْوَةً، وَتَعْلِيمًا وَبَيَانًا، وَإِرْشَادًا، لَا خَلْقًا وَلَا إِلْهَامًا. فَهُمُ الْمَبْعُوثُونَ لِعِلَاجِ نُفُوسِ الْأُمَمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الجمعة: 2] وَقَالَ تَعَالَى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 151 - 152].
وَتَزْكِيَةُ النُّفُوسِ أَصْعَبُ مِنْ عِلَاجِ الْأَبْدَانِ وَأَشَدُّ. فَمَنْ زَكَّى نَفْسَهُ بِالرِّيَاضَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ وَالْخَلْوَةِ، الَّتِي لَمْ يَجِئْ بِهَا الرُّسُلُ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ الَّذِي عَالَجَ نَفْسَهُ بِرَأْيِهِ، وَأَيْنَ يَقَعُ رَأْيُهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الطَّبِيبِ؟ فَالرُّسُلُ أَطِبَّاءُ الْقُلُوبِ. فَلَا سَبِيلَ إِلَى تَزْكِيَتِهَا وَصَلَاحِهَا إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِمْ. وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، وَبِمَحْضِ الِانْقِيَادِ، وَالتَّسْلِيمِ لَهُمْ.